دراسات إسلامية

 

دراسة علميّة موجزة

لـ«المحيط البرهاني في الفقه النعماني»

بقلم:  المفتي كفيل أحمد القاسمي المدراسي (*)

 

 

 

     «المحيط البرهاني في الفقه النعماني» للإمام الجليل الفقيه الكبير برهان الدين محمود بن الصدر السعيد تاج الدين المعروف بـ«ابن مازة» كتاب قيّم ضخم؛ بل موسوعة فقهيّة عظيمة تتضمّن عددًا جزيلًا من مسائل الفقه الحنفيّ، ويعدل في المكانة والأهمّيّة وكثرة المراجعة إليه ووفرة الجزئيّات الفقهيّة كتبَ الفتاوى الأخرى المتداولة في الأوساط العلميّة في شبه القارة الهنديّة بصفة خاصّة وفي العالم كله بصفة عامةٍ، أمثال: الفتاوى الهنديّة، والبحر الرائق، ومجمع الأنهر وما إلى ذلك من الدواوين الفقهيّة الشهيرة.

     وهو من أمّهات كتب الفقه الحنفيّ ومن أهمّ مصادره. ومن أجل الثقة به والاعتماد عليه لا يوجد أيّ كتابٍ هامٍّ في الفقه الحنفيّ خاليًا من الإحالة إلى «المحيط البرهاني»؛ بل كثير من الكتب التي وُضعت وألِّفت بعده مشحونةٌ بالإحالة إليه.

     وبالجملة قد استفاد منه جميع الفقهاء والعلماء الذين أتوا بعد صاحب «المحيط البرهاني» كما أنه يحتلّ إلى يومنا هذا مكانةً مرموقةً بين كتب الحنفيّة(1).

ميزاته:

     وله ميزات عظيمة يمتاز بها عن غيره من كتب الفقه. وهي أنّ مؤلّفه «الشيخ ابن مازة» قد أودعه مسائل فقهيّة جمّة من عدة كتب فقهيّة هامّة، تعتبر حقّا أهمَّ المتون وموسوعاتٍ فقهيّةً عظيمةً. كما أنّه ضَمَّ إلى هذه المسائل فوائد غاليةً استفادها من والده ومشايخ عصره.

     ومن جهة أخرى قد فَصَّل وحَلَّلَ المؤلّف رحمه الله كلَّ مسألة فيه تفصيلًا وتحليلًا وافيين إلى جانب تأييدها المسائل بدلائل قاطعة. ونحن ندع المؤلّف يتحدّث بهذا كلّه بدوره:

     «وجمعتُ مسائل المبسوط والجامعَيْن، والسِيَرَيْن، والزيادات، وألحقتُ بها مسائل النوادر، والفتاوى، والواقعات، ضممت إليها من الفوائد التي استفدتها من سيّدي ومولاي والدي تغمّده الله بالرحمة والدقائق التي حفظتها من مشايخ زماني رضوان الله عليهم أجمعين وفصّلتُ الكتاب تفصيلًا وحلّلْتُ المسائل تحليلًا، وأيّدتُّه بدلائل عوّل عليها المتقدّمون، واعتمد عليها المتأخرون، وعملت فيه عَمَلَ من طَبّ لمن خَبَّ ووسمت الكتاب بـ«المحيط»(2).

وجهُ تسميته بـ«المحيط»:

     وممّا تقدّم قد تَبَيَّن لنا بوضوح أنّ المؤلّف لما أنّه أحاط كتابه هذا بمسائل الكتب: المبسوط(3) والجامع الكبير(4)، والجامع الصغير(5)، والسِّيَر الكبير(6)، والسِّيَر الصغير(7)، والنوادر(8)، والفتاوى والواقعات(9) سمّاه بـ«المحيط البرهاني».

     ولما أنّه يوجد عند الحنفيّة عدد من الكتب التي تحمل عنوان «المحيط»، قيل: وإذا ذُكر مطلقًا فالمراد به «المحيط البرهاني» لبرهان الدين البخاري، وقيل: يوجد في الفقه الحنفي كتابان معروفان باسم «المحيط»، الأول للإمام محمد بن محمد بن محمد رضي الدين السرخسي (المتوفى 544هـ)، والثاني للإمام برهان الدين ابن مازة.

«المحيط البرهاني» كما يراه العلماء الكبار لا سيّما علماء ديوبند

     وقد أثنى على هذا الكتاب الكريم الذي نحن بصدد التعريف به عدَدٌ من العلماء ورجال الفقه قديمًا وحديثًا. ونظرًا للإيجاز نحن نخصّ منهم علماء ديوبند، ونذكر أقوال خمسة منهم.

     يقول الشيخ العلامة عبد الحيّ اللكنويّ (1264-1304هـ) رحمه الله تعالى مصرِّحًا بأهميّة هذا الكتاب وما شمله من الفوائد والدقائق: «ثمّ لمّا مَنَحَنِيَ الله مطالعتَه، رأيته كتابًا نفيسًا مشتملًا على مسائل معتمدةٍ، متجنِّبًا من المسائل الغريبة غير المعتبرة إلا في مواضع قليلة، ومثله واقع في كتب كثيرة(10).

     ويقول فضيلة الشيخ المفتي شبير أحمد القاسمي أستاذ الحديث والفقه وأحد كبار المفتيين بالجامعة القاسميّة بـ«شاهي مرادآباد» في مقدمة «الفتاوى التاتارخانيّة»:

     «المحيط البرهانيّ من أمهات كتب الفقه الحنفي، ومن أهمّ مصادره، ومن أجل الثقة والاعتماد عليه لم يوجد كتاب مهمّ في الفقه الحنفيّ خاليًا من الإحالة إلى «المحيط البرهاني»، واستطرد فضيلته قائلًا: على كل حال جميعُ الفقهاء الذين أتوا بعده قد استفادوا كثيرًا منه ونال هذا الكتاب مكانًا رفيعًا، ورتبةً فائقةً عند أهل العلم حتى الإمام عالم بن العلاء الحنفي الدهلويّ (المتوفى 786هـ) وضع أساس كتابه «الفتاوى التاتارخانية» على «المحيط البرهانيّ» كما شاهدنا عند ترتيب «الفتاوى التاتارخانية» وعند تعليقه.

     خلاصة القول: أنّ «المحيط البرهانيّ» مرجع للفقهاء الذين رتّبوا كتبهم بعده؛ فلهذا السبب عند ما يُطلق «المحيط» يُراد به «المحيط البرهانيّ» للإمام برهان الدين(11).

     ويقول فضيلة الشيخ الأديب العربيّ الكبير نور عالم خليل الأميني - رئيس تحرير مجلة «الداعي» العربيّة الشهريّة، وأستاذ الأدب العربيّ بالجامعة الإسلامية دارالعلوم ديوبند- في مقدّمته على «التاتارخانيّة»:

     «واستوعب كتاب «المحيط البرهانيّ» مسائل كلّ من «المبسوط» و«الجامع الكبير»، و«الجامع الصغير»، و«السِّيَر الكبير»، و«السِّيَر الصغير»، و«الزيادات»، و«مسائل النوادر»، والفتاوى، والواقعات والفوائد. ولذلك احتلّ «المحيط البرهانيّ» المكانة الممتازة بين الكتب الفقهيّة كلّها وأصبح مصدرًا لمادة الفقه ولم يوجد كتاب ألّف بعده إلا اعتمد مؤلّفه عليه، واستند إليه(12).

     وكذلك قد أشاد بهذا الكتاب الشيخ المفتي مظفر حسين رحمه الله مفتي جامعة «مظاهر علوم سهارنفور، الهند» سابقًا- في هامش شرح عقود رسم المفتي(13) والشيخ المفتي محمد سلمان المنصورفوري أستاذ الحديث والفقه والإفتاء بالجامعة القاسميّة «شاهي مراد آباد» الهند في كتابه باللغة الأرديّة «فتوىٰ نويسى كے رہنما اصول» (ضوابط ترشدك إلى كتابة الفتاوى)(14).

نسخ لـ«المحيط البرهانيّ» مخطوطة غير مطبوعةٍ:

     رغم أهمّيّته القصوى ظلّ الكتابُ عبر القرون الطويلة حبيس مكتبات إسلامية، مخطوطًا، وله نسخ خطية عديدة منها:

     (1) نسخةٌ مخطوطةٌ في أوقاف المدرسة الأحمديّة بمدينة «حلب» وهي في أربعة أجزاء، الجزءان: الأول والثاني وقعا في 611 صفحةً، والجزء الثالث وقع في 182 صفحةً، والجزء الرابع وقع في 273 صفحةً، وهذه النسخة خطّها دقيقٌ للغاية، تعصب أحيانًا قراءتُه، كما يوجد العديد من الألفاظ والعبارات التي لا نستطيع قراءتها بالإضافة إلى بياضات في مواضع(15).

     (2) نسخةٌ في الخزانة المصريّة وهي مكتوبة سنة 1186هـ وهي أيضًا في أربعة مجلّدات(16).

     (3) نسخةٌ في خزانة «أياصوفيّا» في عشرة أجزاء تحت رقم 1406-1415. وهي الأول والثاني والرابع مكرّرًا والخامس والسادس والسابع مكرّرًا والتاسع والعاشر(17).

     (4) نسخةٌ في المكتبة الحميديّة تحت رقم 557،556 في ثلاثة مجلّدات(18).

     (5) نسخةٌ في مدرسة «مظاهرعلوم» بـ«سهارنفور» بالهند هي مكتوبة سنة 1133هـ(19).

     (6) نسخةٌ في مكتبة «شيخ الإسلام» وهي تحتوي على أربعة مجلّدات وهي مكتوبة سنة 1095هـ(20).

العناية بالكتاب:

     ولم يزل الكتاب مخطوطًا ولم يُكتب له قطّ أن يصدر مطبوعًا بشكل متكامل، وإن سبقت بعض المحاولات للعناية به تحقيقًا وتخريجًا فإصدارًا له مطبوعًا.

     وقد قدّر الله هذه السعادةَ: سعادةَ تحقيق الكتاب وتدوينه وضبطه كاملًا وإصداره مطبوعًا للعالم الفاضل الشيخ المفتي محمد نعيم أشرف الباكستاني ابن أخت فضيلة الشيخ المفتي محمد تقي العثماني، فقام بهذا العمل الجليل تحت إشراف خاله المفتي محمد تقي العثماني وأصدره مطبوعًا في خمسةٍ وعشرين مجلّدًا من مكتبة إدارة القرآن والعلوم الإسلاميّة/ «كراتشي»، «باكستان». وذلك بتعاون من المجلس العلمي بمدينة «دابهيل» بولاية «غجرات» الهند والمجلس العلميّ بجنوبي إفريقية(21).

     وكذلك قام بتحقيق هذا الكتاب عالم آخر فاضل، هو فضيلة الشيخ عبد الكريم سامي الجنديّ وأصدره مطبوعًا من مكتبة دارالكتب العلميّة/ «بيروت»، «لبنان»، والطبعة الأولى منه صدرت سنة 1424هـ = 2004م(22) وتوجد في بعض المكتبات التجاريّة بمدينة «ديوبند» الهند.

عمل المحقّق:

     أوّلًا: نسخ المخطوطَ المعتمدَ في التحقيق، وذكر في نهاية مقدّمته وصفًا للمخطوط مع نماذج من تصوير المخطوط.

     ثانيًا: وضع ترجمة وافيةً للإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله .

     ثالثًا: وضع ترجمة وجيزةً لمؤلّف «المحيط البرهاني».

     رابعًا: وضع مقدّمة مفصّلة «في علم الفقه»، مشتملةً على تسع صفحات.

     خامسًا: شرح في هوامش الكتاب ما في متنه من غريب اللغة أو صعب المتناول منها بالاستناد إلى المعاجم اللغوية المعتبرة.

     سادسًا: وضع في الهوامش تعريفًا موجزًا مع ذكر المراجع بمعظم الأعلام، والكتب، والمؤلَّفات.

     سابعًا: بَذَلَ المقدورَ من الجهد في شرح المصطلحات في علم الفقه استنادًا إلى الموسوعات والمعاجم المعتبرة.

     ثامنًا: خرَّجَ الأحاديث النبويّة، والآثار تخريجًا وافيًا، وضبط نصّ الأحاديث استنادًا إلى كتب الحديث.

     تاسعًا: خرّج الآيات القرآنيّة الكريمة على المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم(23).

مطلب مهمّ في الردّ على القول بعدم جواز الإفتاء بـ«المحيط البرهانيّ»

     ولما أنّ الكتاب ظلّ مخطوطًا غيرَ مطبوعٍ عبر قرون مديدة، جعل يصنَّفُ ضمن الكتب المفقودة غير المعتبرة التي لا يجوز بها الإفتاء. فذكر ابن أمير حاجّ الحلبيّ في «حلية المحلّي شرح منية المصلّي» في بحث الاغتسال أنّه لم يقف على «المحيط البرهاني»(24).

     ونقل عنه صاحب «البحر الرائق» العلامة زين الدين إبراهيم المعروف بابن نجيم الحنفيّ (المتوفى 970هـ) أنّه مفقود في ديارنا، ثم حكم أنّه لا يجوز الإفتاء به، واستند لما ذكره ابن الهمام أنّه لا يحلّ النقل من الكتب الغريبة. وظنّ بعضهم بعدم جواز الإفتاء منه لكونه جامعًا للرطب واليابس. وبناءً على ذلك ذكره المحيط البرهاني العلامة عبد الحي اللكنوي (1264-1304هـ) رحمه الله في رسالته «النافع الكبير» في عدد الكتب غير المعتبرة(25).

     وكذلك نصّ العلامة ابن نجيم في رسالته الثانية والعشرين من مجموعة رسائل ابن نجيم في الصفحة 191، التي ألّفت في بعض الصور للوقف ردًّا على بعض معاصريه نقلَه عن «المحيط البرهانيّ» وهو يقول: «ونقله عن «المحيط البرهانيّ» كذب؛ لأنه مفقود كما صرّح به ابن أمير حاج الحلبي في «حلية المحلّي شرح منية المصلّي»وعلى تقدير أنّه ظفر به دون أهل عصره لم يجز الإفتاء به، ولا النقلُ عنه كما صرّح به في فتح القدير من كتاب القضاء(26).

     هذا، وقد ردّ على ذلك، العلامة عبد الحيّ اللكنوي (1264-1304هـ) ردًّا قويًّا قائلًا:

     «ثم لـمّا مَنَحَنِيَ الله مطالعته، رأيته كتابًا نفيسًا مشتملا على مسائل معتمدة، متجنِّبًا من المسائل الغريبة غير المعتبرة إلا في مواضع قليلة، ومثله واقع في كتب كثيرة؛ فوضح لي أن حكمه بعدم جواز الإفتاء به، ليس إلا لكونه من الكتب الغريبة المفقودة الغير المتداولة، لا لأمر في نفسه، ولا لأمر في مؤلِّفه، وهو أمر يختلف باختلاف الأعصار، ويتبدّل بتبدّل الأقطار؛ فكم من كتاب يصير مفقودًا في إقليم وهو موجود في إقليم آخر، وكم من كتاب يصير نادر الوجود في عصر، كثير الوجود في عصر آخر.

     فـ«المحيط البرهاني» لـمّا كان مفقودًا في بلاده وأعصاره عدّه من الكتب التي لا يُفتى منها لعدم تداولها وغرابتها، فإن وُجد تداولُه وانتشاره في عصر أوفي إقليم، يرتفع حكمه هذا؛ فإنه لا شبهة في كونه معتمدًا في نفسه، اعتمد عليه من جاء بعده من أرباب الاعتماد وأفتوا بنقله»(27).

الحواشي والتعليقات:

     وقد وضع على هذا الكتاب الشيخ عبد الكريم سامي الجنديّ الحواشي القيمة والتعليقات المفيدة المستوعبة لعدة أمور هامّة ومعلومات قيّمة كما سبقت الإشارة إليه ضمن عمله الذي قام به لدى إصداره مطبوعًا(28).

     أما الشروح؛ فلم يكتب لحد كتابة هذه السطور أيُّ شرحٍ لهذا الكتاب.

النسخ المطبوعة لـ«المحيط البرهاني»

     قد سبق أن ذكرنا في الصفحات السالفة أنه لاتوجد لهذا الكتاب إلا نسختان مطبوعتان، إحداهما أصدرتها «مكتبة إدارة القرآن والعلوم الإسلاميّة/ كراتشي، باكستان» ولم نطّلع على سنة طباعتها، ويُفترض أن تكون حوالي سنة 1419هـ = 1999م، والأخرى أصدرتها «مكتبة دارالكتب العلميّة/ بيروت، لبنان»، وهذه النسخة توجد في بعض المكتبات التجاريّة بمدينة «ديوبند» الهند، وكذلك على الشبكة العنكبوتيّة أيضًا، وطُبعت هذه النسخة أوّل مرّة عام 1424هـ = 2004م.

ما يحتاج إليه الكتاب:

     خلال قيامنا بإعداد هذا المقال الوجيز، كثرت المراجعةُ والدراسة للكتاب «المحيط البرهانيّ» - الذي أصدرته دارُ الكتب العلميّة بيروت لبنان ؛ فشعرنا هنالك بأمور يحتاج إليها الكتابُ بنحو لازم حتى تكمل الاستفادة منه بنحو متكامل فنضع لها لائحةً وجيزةً في السطور الآتية، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

     (1) رغم الأهميّة البالغة والمكانة المرموقة اللّتين يحتلّهما الكتابُ ورغم ضرورته القصوى لكل عالم دينيّ ومفتٍ شرعيّ وباحث إسلامي، لايزال الكتاب بعيدَ المنال صعب المتناول؛ فالحاجة ملحّة إلى أن تكثر طباعته بعدد كبير يغطّي حاجات رجال العلم والفقه والثقافة.

     (2) إصدار الكتاب في حلّةٍ قشيبةٍ من الطباعة والإخراج وجودة الورق وما إلى ذلك من المحاسن المطبعيّة التي تستقطب اهتمامَ القارئ وتستوقفه للدراسة.

     (3) وضعُ القائمة الكاملة المستوعبة لمحتويات ومضامين الكتاب كلّها في بداية كل مجلّد منه أو في نهايته حتى تسهل الاستفادة منه والمراجعة إلى المسائل المعنيّة بسهولةٍ جدًّا.

     (4) إجراء عملية الترقيم على كلٍ من مسائله ليتمّ الوصولُ إليها في ظرف وقت قليل.

     (5) الاهتمام في مستهلّ كل كتاب بإثبات الآيات القرآنيّة التي تتعلّق بالموضوع الذي عُقد له الكتابُ.

     (6) ضبط جميع أسماء الأعلام والفقهاء والمحدثين الذين وردت مع موجز تراجمهم في الهوامش، وكذلك الأماكن والبلدان التي ورد التعريف بها فيه بالشكل؛ حتى لا يغلط في قراءتها غالط أو يتردّد فيها متردّد.

     (7) شرح الكلمات الغريبة، والمصطلحات الفقهيّة الجديدة الواردة فيها.

تعريف موجز بمؤلّف «المحيط البرهاني»

الاسم الصحيح الكامل:

     هو الإمام الجليل الفقيه الكبير برهان الدين أبو المعالي محمود بن الصدر السعيد تاج الدين أحمد بن برهان الدين عبد العزيز بن عمر المرغينانيّ البخاريّ المعروف بـ«ابن مازة»(29).

موطنُه وولادتُه:

     هو من سكّان مدينة «مرغينان» من بلاد «ماوراء النهر» حيث كانت ولادته سنة 551هـ الموافق 1156م(30).

أسرته العلميّة:

     أسرته من الأسر الكبيرة العلميّة في «بخارى»، وأبناؤها كانوا يُسَمَّوْنَ بـ«بني مازة»، وينتهي نسبه إلى سيّدنا عمر بن عبد العزيز بن مروان(31)، وقد اشتهر أبناء أسرته في الآفاق بالعلم والمعرفة والبذل والرئاسة والمجد والعظمة، وكانت فيهم رئاسة المذهب الحنفيّ أبًا عن جدٍّ وهو مذهب أهل ماوراء النهر عامّةً، وكانوا يُعدّون ملوك «بخارى» في أواخر عهد القراخطائيين، الذين كانوا يتقاضونهم الخراج وقد أشار إليهم القزويني في كتابه «آثار البلاد» وهو يتحدّث عن «بخارى» فقال: ولم تزل «بخارى» مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء ومنشأ علوم النظر، وكانت الرئاسة في بيتٍ مباركٍ يقال لرئيسه «خواجه إمام أجل» وإلى الآن أي سنة تأليف كتاب القزوينيّ (674هـ) نسلهم باقٍ، ونسبهم ينتهي إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان، وتوارثوا تربيةَ العلم والعلماء كابرًا عن كابرٍ، يُرَتِّبون وظيفة أربعة آلاف فقيه(32).

     والمقصود بوظيفة أربعة ألاف فقيه الإشراف عليهم من الناحية العلميّة والمعيشيّة، ويبدو أنهم من آل برهان وغيرهم)

     وقد رتّب العلامة المعزيّ قصيدةً طويلةً تدلّ على مكانة آل مازة عمومًا وعلى مكانة بني عبد العزيز خصيصًا، وفيما يلي بعضٌ منها:

«ومن يعتقد وفق السعادة كلّها

على آل برهان فقد صحّ مازعم

إذا نال بعض الناس عزًّا فربّمـا

وأمّا بنو عبد العزيز فلا جرم»(33)

     وكان جدّه الإمام برهان الدين عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفيّ، الملقّب بـ«برهان الأئمة»، و«سراج الأئمّة»، ويعرف أيضًا بـ«الصدر الماضي»، و«الصدر الكبير»، وهو إمام أهل «بخارى»(34).

     وكان أبوه تاج الإسلام أحمد بن عبد العزيز بن مازة الملقّب بـ«الصدر السعيد» أحد مشايخ صاحب الهداية(35).

     وكان عمّه عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاريّ الحنفيّ المعروف بـ«الصدر الشهيد» ويعرف أيضًا بـ«الحسام» و«الحسام الشهيد»، وله مؤلّفات عديدة تبلغ كتابًا(36).

     وتفقّه أبوه وعمّه على أبيهما الشيخ برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازة(37).

نشأته العلميّة:

     ففي هذا البيت العلميّ، والوَسَط الدينيّ ترعرع صاحب «المحيط البرهاني»، وشبّ شبابًا مثاليًّا، وتلقّى جميعَ العلوم والفنون من البداية حتى النهاية على أبيه وعمّه؛ فتوفّر له مالم يتوفّر لغيره من الرعاية وحسن التقويم والتحصيل العلميّ حتى فاق أكثرَ فقهاء ذلك العصر في الفقه وصار أوحدَ زمانه في سَعة العلم والمعرفة(38).

مكانته في الفقه:

     وكان من كبار فقهاء الأئمة وأعيان فقهاء الأمّة، إمامًا، وَرِعًا، مجتهدًا، متواضعًا، عالمًا كاملًا، بحرًا زاخرًا، خيرًا فاخرًا حتّى عدّه العلامة ابن كمال باشا (المتوفى سنة 940هـ) من المجتهدين في المسائل(39).

طبقته في الفقه:

     وقد أسلَفْنا في السطور السابقة أنّه حَسَبَ دراسة العلامة ابن كمال باشا معدودٌ في طبقة المجتهدين في المسائل، وهي التي تتضمّن أئمّة الفقهاء المجتهدين أمثال: الإمام الخصّاف، والإمام أبوجعفر الطحاوي، والإمام أبوالحسن الكرخي، والإمام شمس الأئمّة الحلوانيّ وغيرهم رحمهم الله تعالى وشأن أصحاب هذه الطبقة أنّهم لا يقدرون على مخالفة الإمام لا في الأصول، ولا في الفروع، وإنّما يستنبطون أحكام المسائل التي لا نصّ فيها عنه(40).

من أهمّ شيوخه:

     ومن أهمّ شيوخه الذين عنهم أخذ العلمَ الشرعيَّ والفقه أبوه العالم المتمكن الفقيه المتبحّر الصدر السعيد تاج الدين أحمد بن عبد العزيز بن عمر، وعمُّه الصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز(41).

من أهم تلاميذه:

     لم نجد في كتب التراجم والأعلام التي تناولناها بالمراجعة والدراسة خلال إعدادنا هذا المقال أسماء تلاميذه إلا واحدًا، وهو ابنه الشيخ طاهر بن محمود الذي أخذ عنه العلم، وكانت له يد طولى في الأصول والفروع، ومشاركة في المعقول والمنقول(42).

من أهمّ مؤلّفاته:

     وله من المؤلَّفات ماتزدان به خزانات الكتب العالميّة، والتي تشفّ عن مكانته الفقهيّة العظيمة إلى جانب تعمّقه في علوم الشريعة وتمكنّه منها. ويبلغ عددُ مؤلَّفاته نحو أحد عشر وهي كما يلي:

     (1) المحيط الرهاني في الفقه النعمانيّ في أربع مجلّدات.

     (2) تتمّة الفتاوى.

     (3) التجريد البرهانيّ في فروع الحنفيّة.

     (4) ذخيرة الفتاوى وهو المشهور بـ«الذخيرة البرهانيّة» ثلاث مجلّدات، اختصره من كتابه «المحيط البرهاني»(43).

     (5) شرح أدب القضاة للخصّاف.

     (6) شرح الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيبانيّ.

     (7) شرح الزيادات للإمام محمد بن الحسن الشيبانيّ.

     (8) الطريقة البرهانيّة.

     (9) فتاوى البرهانيّ.

     (10) الواقعات في الفقه.

     (11) الوجيز في الفتاوى(44).

وفاته:

     وكانت قد استأثرت به رحمة الله جلّ وعلا وهو بمدينة «بخارى» عام 616هـ الموافق 1219م عن عمر يناهز 65 عامًا بالقياس إلى التقويم الهجريّ و 63 عامًا بالنسبة إلى التقويم الميلاديّ(45).

*  *  *

الهوامش:

(1)        «الفتاوى التاتارخانية» لفريد الدين عالم بن العلاء الإنديريتي الدهلويّ المتوفى 786هـ 1/33.

(2)        «المحيط البرهاني» 1/7، «الفوائد البهيّة»، ص:269-272، «كشف الظنون» لحاجي خليفة 2/1619-1620.

(3)        «المبسوط»: قال صاحب الكشف: «مبسوط» في فروع الحنفيّة للإمام أبي يوسف يعقوب إبراهيم القاضي الحنفيّ المتوفى سنة 182هـ وهو المسمّى بـ«الأصل»، وللإمام محمد بن الحسن الشيبانيّ المتوفى سنة 189هـ، ألّفه مفردًا، فأوّلا ألّف مسائل الصلاة وسماه «كتاب الصلاة» ومسائل البيع وسمّاه «كتاب البيوع»، وهكذا الإيمان والإكرام، ثم جُمعت، فصارت «مبسوطًا»، وهو المراد حيث ما وقع في الكتب، ورُوي أن الشافعي – رحمه الله – استحسنه وحفظه، وأسلم حكيم من كفّار أهل الكتاب بسبب مطالعته حيث قال: هذا كتاب محمدكم الأصغر، فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟! (شرح عقود رسم المفتي 79).

(4)        «الجامع الكبير»: قال في الكشف عند ذكره: قال الشيخ أكمل الدين: «هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير، قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزًا، ولتمام لطائف الفقه منجزًا، شهد بذلك بعد إنفاد العمر فيه راووه، ولا يكاد يلمّ بشيء من ذلك عادوه، ولذلك امتدّت أعناق ذوي التحقيق نحو تحقيقه، واشتدّت رغباتهم في الاعتناء بحلي لفظه وتطبيقه، وكتبوا له شروحًا وجعلوه مبيَّنًا ومشروحًا.

(5)        «الجامع الصغير»: قال في الكشف عند ذكره: هو كتاب قديم مبارك مشتمل على ألف وخمس مئة واثنين وثلاثين مسألةً كما قال البزدوي، وذكر الاختلاف في مئةٍ وسبعين مسألة، ولم يذكر القياس، والاستحسان إلا في مسألتين، والمشايخ يعظّمونه حتى قالوا: لا يصلح المرءُ للفتوى ولا للقضاء إلا إذا علم مسائله، وقال قاضي خان في شرحه على «الجامع الصغير»: واختلفوا في مصنّفه، قال بعضهم: من تأليف أبي يوسف ومحمد، وقال بعضهم: هو من تأليف محمّدٍ؛ فإنّه حين فرغ من تصنيف «المبسوط»، أمره أبو يوسف أن يصنّف كتابًا، ويروي عنه؛ فصنّف، ولم يرتّب مسائله، وإنّما رتّبه أبو عبد الله الحسن بن أحمد الزعفراني الفقيه الحنفيّ (شرح عقود رسم المفتي، ص:78).

(6)         «السِّيَرُ الكبير»: هو آخر مصنّفات الإمام محمد بعد انصرافه من العراق، ولهذا لم يروه عنه أبو حفص، وإنّما لم يذكر اسم أبي يوسف شيء منه؛ لأنّه صنّفه بعد ما استحكمت النفرة بينهما، وكلّما احتاج إلى رواية عنه، قال أخبرني الثقة والله أعلم. (شرح عقود رسم المفتي:79).

(7)        «السِّيَرُ الصغير»: هو من تأليف الإمام محمد بن الحسن الشيباني، يقول الإمام السرخسي في المبسوط – وهو يشرح كتاب «السير الصغير»: اعلم أن السِّيَرَ جمع سيرةٍ، وبه سمى هذا الكتاب، لأنّه بيّن فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب، ومع أهل العهد منهم من المستأمنين وأهل الذمّة ومع المرتدّين ومع أهل البغي (المبسوط:10/2).

(8)        «النوادر»: وهي مسائل مرويّة عن أصحاب المذهب، أعني بهم العلماء الثلاثة الإمام أبا حنيفة، والإمام أبا يوسف والإمام محمدًا – رحمهم الله – وقد يلحق بهم زفر والحسن وغيرهما في أخذ الفقه عن أبي حنيفة، لكن لا في كتب ظاهر الرواية؛ بل في كتب أخر لمحمّد غيرها كـ«الكَيْسَانيّات» و«الهارونيّات» و«الجرجانيّات» و«الرّقّيات». (شرح عقود رسم المفتي:82).

(9)        الفتاوى والواقعات: وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لمّا سُئلوا عن ذلك ولم يجدوا فيها روايةً عن أهل المذهب المتقدمين، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابهما وهلمّ جرًّا وهم كثيرون. (شرح عقود:84).

(10)     الفوائد البهيّة: 269-272.

(11)     مقدّمة التحقيق للفتاوى التاتارخانيّة: 1/33.

(12)     المصدر السابق: 1/10.

(13)     «شرح عقود رسم المفتي» للإمام ابن عابدين الشامي، ص:91.

(14)     «فتوى نويسي كے رهنما أصول» للشيخ المفتي محمد سلمان المنصورفوري، ص:71.

(15)     راجع: «المحيط البرهاني»: 1/18.

(16)     «تذكرة النوادر من المخطوطات العربيّة» للشيخ، ص:60.

(17)     المصدر السابق.

(18)     المصدر السابق.

(19)     المصدر السابق.

(20)     المصدر السابق.

(21)     راجع: «فتوى نويسي كے رهنما أصول» للشيخ المفتي محمد سلمان المنصورفوري، ص:71.

(22)     «المحيط البرهاني»، بيروت: 1/3، ويمكن الوصول إليه عن طريق الإنترنت.

(23)     المحيط البرهاني ملخّصًا.

(24)     النافع الكبير للعلامة اللكنوي، ص:20.

(25)     المصدر السابق.

(26)     انظر: «المصباح»، ص:457-458.

(27)     انظر: «الفوائد البهيّة»، ص:269-271، «المصباح» 472.

(28)     تقدّم ذكرُه مفصَّلًا قبيل «مطلب مهمّ في الردّ على ... الخ».

(29)     انظر: «الأعلام» للزركلي 7/161، «كشف الظنون» لحاجي خليفة 2/1619-1620، «حدائق الحنفيّة» 1/241، «هديّة العارفين» 6/404، «الفوائد البهيّة» للعلامة عبد الحيّ اللكنويّ 269-272، معجم المؤلفين 12/146.

(30)     «الأعلام» 7/161، «تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان 6/302.

(31)     هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس القرشيّ الأموي، أبو حفص المدنيّ ثم المدمشقيّ، أمير المؤمنين، أمّه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، قال ابن سعد: كان ثقة مامونًا له، فقهًا، ورعًا، وكان إمام عدل، إنه دخل أصطبل أبيه وهو غلام، فضربه فرس، فشجّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول: إن كنت أشج بني أميّة، إنك سعيد، وقال أنس: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى، وقال محمد بن علي بن الحسين: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أميّة عمر بن عبد العزيز وإنه يُبعث يوم القيامة أمّةً واحدةً، تُوفي سليمان بن عبد الملك في صفر سنة 99هـ، واستخلف عمر بن عبد العزيز يوم مات، وكان مع سليمان كالوزير، فعُدّ من الخلفاء الراشدين، وله أربعون سنةً، ومدّة خلافته سنتان ونصف، مات في رجب سنة 101هـ.

(32)     «الجامع الصغير»، المبحث الأول من دراسة شارح الكتاب، ص:18.

(33)     انظر «كتائب أعلام»، ص:243، «الجامع الصغير»، ص:20.

(34)     ينظر: «الفوائد البهيّة» للكنوي 269-272، «الجواهر المضيئة» 4/264، «الأعلام» للزركلي 7/161، «كشف الظنون» لحاجي خليفة 2/1619-1620، «الجامع الصغير» 19.

(35)     المصدر السابق.

(36)     المصدر السابق.

(37)     «الأعلام» للزركلي 7/161، «الفوائد البهيّة» للكنوي 269-272. «النافع الكبير» للكنوي، ص:20، «الجواهر المضيئة» 4/364، «الجامع الصغير»، ص:24.

(38)     المصدر السابق.

(39)     «الفوائد البهيّة» للكنوي 269-272، «حدائق الحنفيّة» 1/24.

(40)     «شرح عقود رسم المفتي» لابن عابدين الشامي:51.

(41)     «الفوائد البهيّة» 269-272، «حدائق الحنفية» 1/241.

(42)     المصدر السابق.

(43)     «كشف الظنون» لحاجي خليفة 2/1619-1620.

(44)     «الأعلام» للزركلي 7/161، و«الفوائد البهيّة» 269-272، «الجواهر المضيئة» 4/364، «مقدمة المحيط البرهاني» 1/7، «تاريخ الأدب العربيّ» لبروكلمان 6/302، «معجم المؤلّفين» 12/146، «حدائق الحنفيّة» 1/241، «هديّة العارفين» 6/404.

المصدر السابق.

*  *  *



(*)          مساعد دارالإفتاء وأستاذ بمدرسة وصية العلوم، برنامبت، بولاية «تامل نادو».

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1437 هـ = يونيو – أغسطس 2016م ، العدد : 9-10 ، السنة : 40